يعالج الفصل الأول من هذا الكتاب تطور الفكر بدءاً بالحضارات السامية بأرض الرافدين وبلاد الشام، ومن ثم بأرض وادي النيل، ومن ثم انتقلت حضارة تلك الأمم في المشرق العربي إلى الإغريق في بلاد اليونان، ومن ثم إلى الإمبراطورية الرومانية. وحينما انهزمت وتقهقرت جيوش بيزنطة عام 636م تحت ضربات الجيوش العربية الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد، دخلت الدول الأوروبية في العصور المظلمة، وبزغ فجر الإسلام في القرن السابع الميلادي، وأخذ العلماء المسلمون في شتى المعارف الإنسانية حينذاك، ومنها علم الجغرافية، الذي نال نصيبه من البحث والتدقيق والمعالجة العلمية، فأثبت العلماء العرب المسلمون–مثل الخوارزمي، وابن خرداذبة، والإصطخري، والمسعودي، والمقدسي، وياقوت الحموي، والإدريسي، والقزويني، وابن بطوطة، وابن جبير، وأبو الفداء، وابن سينا- كروية الأرض، قبل أن يصرح بها غاليليو الإيطالي في القرن الـ 16م، ودفع حياته ثمناً لذلك التصريح.
وحينما بدأت الكشوف الجغرافية على يد كريستوفر كلمبس عام 1492م وفاسكودي غاما البرتغالي عام 1497م/1499م، بدأ نجم النهضة الأوروبية في البزوغ، وأخذت العقلية الأوروبية تنكب على المخطوطات العلمية التي صاغتها العقلية العربية، ليضعوا بذلك أسس وأركان النهضة الأوروبية الحديثة. وما أن جاء القرن الـ 18م وتلاه القرن الـ 19م حتى ظهر بعض المفكرين الجغرافيين الأوروبيين أمثال: فون همبولت، وكارل ريتر، وراتزل، وفيدرل دي لابلاش، وجان برونز، وغيرهم من الباحثين الذين وضعوا حجر الأساس للجغرافية الحديثة.
أما الفصل الثاني فيتناول دراسة الجغرافية الفلكية، والتي تشمل دراسة الأجرام السماوية بما فيها المجرات والنجوم والكواكب، والمذنبات والشهب والنيازك، والأبعاد الخيالية بينها بالسنوات الضوئية. وكذلك يتناول دوران الكواكب حول الأم الشمس وأبعادها والحرارة والضوء للأرض والكواكب الأخرى، بالإضافة إلى البقع الشمسية التي تتعرض لها.
كما تطرق لدراسة القمر وبعدُه عن الأرض وكتلته وقطره، ودرجة الحرارة على سطحه بالنهار والليل القمريين، ثم دورته حول الأرض بأشكاله المختلفة خلال الشهر القمري البالغ 3/1 29 يوماً، ونتائج هذه الدورة الشهرية ممثلة في الكسوف للشمس والخسوف للقمر على التوالي. بالإضافة لتناول الأرض من حيث موقعها في النظام الشمسي وحجمها وشكلها وأبعادها وكتلتها وخطوط الطول والعرض على سطحها (كخطوط وهمية)، وأهمية كل منهما للإنسان من حيث الزمن والمناخ، ثم التعرف على ميلان محور الأرض (5: 23) وأهمية ذلك في حدوث الفصول الأربعة وطول النهار والليل، وتعامد أشعة الشمس على درجات العرض المختلفة وانعكاس كل ذلك على الإنسان وأنشطته المختلفة.
أما الفصل الثالث، فيعالج الأرض من حيث نشأتها وأغلفتها الغازية والمائية والصخرية والحيوية، وتركيبها ممثلاً في طبقاتها الصخرية من السيال والسيما إلى الكسوة الداخلية (المانتل) فالنواة المركزية، ثم توازن القشرة الأرضية. وتشكل التضاريس الموجبة والسالبة، وبالتالي خصائص الصخور النارية والرسوبية والمتحولة والمعادن المكونة لها بالإضافة للرواسب البحرية والقارية، وخصائص كل منهما على حده.
ويعالج الفصل الرابع دراسة العوامل الباطنية في تشكيل سطح الأرض ممثلة في حركات القشرة الأرضية البطيئة والسريعة، كالزلازل والبراكين والانكسارات والالتواءات والفواصل البنيوية والطبقات المائلة، ومن ثم النظريات التي قيلت بهذا الصدد كنظرية زحزحة القارات، وتكتونية الصفائح وانسلاخ القمر عن الأرض.
أما الفصل الخامس، فيتناول دراسة العوامل السطحية (الخارجية) ممثلة في التفكك الميكانيكي (الآلي)، والتحلل الكيماوي، والنحت المائي، والنحت الهوائي، والنحت الجليدي، والنحت البحري، والانهيار الصخري، والانزلاقات الأرضية.
كما يعالج الفصل السادس، دراسة توزيع اليابس والماء (بنوعيه المالح والعذب)، والأعماق البحرية وارتفاع القمم الجبلية كالإفرست وتوزيع البحار والمحيطات، والأهمية الاقتصادية للمياه السطحية في حياة الإنسان، ومن ثم دراسة المياه القارية، كالبحيرات والمستنقعات والأنهار، بجانب المياه الجوفية وحركات مياه البحار والمحيطات، وتصنيف الأمواج البحرية والمد والجزر وفوائدهما، بالإضافة إلى التيارات البحرية الباردة والدافئة وتوزيعها في البحار والمحيطات ونتائجها الإيجابية والسلبية على سطح القشرة الأرضية.
أما الفصل السابع، فيعالج دراسة عناصر المناخ وأهميتها في المجال التطبيقي على سطح هذه الكواكب ممثلة في المناخ وتأثيره في دورة المياه، والغطاء النباتي، والتربة والأحياء البرية والبحيرة، بالإضافة لتأثيره المباشر على جسم الإنسان والسكن وفن العمارة، وملبس الإنسان وراحته، ومن ثم تأثيره على الزراعة والصناعة والنقل والتجارة، وبعض الأعمال الهندسية، وأخيراً تأثيره على مسرح العمليات الحربية في مختلف بقاع العالم ذات المناخات المتباينة.
ويتطرق الفصل الثامن لمعالجة الجغرافية الحيوية والتربة، والتي تُعتبر فرعاً من فروع الجغرافية الطبيعية، حيث يعالج المجاميع النباتية والحيوانية، وتوزيعها في المناطق والأقاليم المختلفة في قارات العالم القديم منها والجديد. كما يتطرق للتربة وأنواعها وتركيبها وتوزيعها وآفاقها كعنصر طبيعي في البيئة الطبيعية. ونتيجة لأهمية الغلاف الحيوي، وما تعرض له من تدمير وتلوث فإن الأمر يقتضي المحافظة عليه وصيانته للأجيال القادمة.
أما الفصل التاسع، فيتناول دراسة السكان من حيث نموهم وتركيبهم وتوزيعهم وحركتهم المحلية والخارجية، وتأثير العوامل الطبيعية والبشرية عليهم، بجانب التطور التاريخي لنمو السكان في العالم منذ ما قبل الميلاد، وحتى وقتنا الحالي. كما تناول دراسة السلالات البشرية الثلاث الرئيسية، كالقوقازية والمغولية والزنجية، وخصائصها الجسمانية الطبيعية، وتوزيعها في العالم.
ويعالج الفصل العاشر دراسة الأنشطة الاقتصادية للسكان من حيث حرفة الجمع والالتقاط والصيد، ثم حرفة الرعي والزراعة، وحرفة التعدين، فحرفة التصنيع والتقنية، والتي تمثلت في ابتكار العديد من الاختراعات الآلية والإلكترونية العديدة والمتنوعة، ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية، والحواسيب وتسابق التسلح بين الدول الذرية، بجانب التقدم في النواحي الطبية والمعيشية والصحية على مستوى العائلة البشرية حالياً.
كما يعالج الفصل الحادي عشر العمران الريفي والحضري من حيث مراكز الاستقرار الريفي، ممثلة في المراكز القروية المتجمعة والمتناثرة والمنعزلة، ثم التطرف لمراكز الاستقرار الحضري كالقديم منها، مثل مدن أريحا وبابل وتيكال وكاهون، والحديثة مثل مدن القاهرة وبغداد ونيومكسيكو وساوباولو ونيويورك وطوكيو.
وفي الفصل الثاني عشر يعالج الوحدات السياسية في العالم من حيث تعريفها وأهميتها وعلاقتها بالعلوم الأخرى، كالعلوم السياسية والتاريخ وعلم السكان والجغرافية الإقليمية، وعلم العلاقات الدولية، ومن ثم التطرق إلى مفهوم الدولة وحدودها وتخومها. وشكلها وقلبها، وتنظيمها الوحدودي، ثم المقومات الطبيعية والبشرية للدولة، بالإضافة إلى تناول الدول الحبيسة وغير المغلقة والدول العملاقة والمتوسطة والقزمية جداً.
كما يتناول الفصل الثالث عشر مفهوم نظام النقل وتطوره، حيث يعتبر من العمليات المهمة والمكملة للإنتاج الاقتصادي، والتنمية الشاملة، سواءً على مستوى المدينة والدولة أو على مستوى القارة. ولهذا تقاس مدينة دول العالم وتقدمها بما وصلت إليه وسائل النقل المختلفة، من تطور وانتشار ودقة في النظم التي تسير عليها. ولولا الوسائل المختلفة لما حدثت عملية التبادل التجاري في العالم بهذا المستوى الهائل، ولما تمكن الإنسان من تعمير واستيطان الأراضي الجديدة في كل القارات، ولما تضخمت المدن العملاقة في الدول المختلفة. كما أن النقل انعكس على طرق استغلال المعادن الفلزية واللافلزية، ونقلها من أماكن تواجدها إلى مواطن استهلاكها، سواءً بالنقل المائي أو الحديدي أو البري أو بالأنابيب لنقل البترول والغاز الطبيعي والمياه كخط أنبوب الدمام –ينبع بالسعودية لنقل البترول (1500كم)، أو من كركوك إلى سواحل تركيا الجنوبية، ونقل الغاز الطبيعي من سيبيريا الغربية إلى دول شمال غرب أوروبا. وأخيراً النهر الصناعي الذي أقامته ليبيا من فزان والكُفرة وتازربو والسرير لنقل المياه الجوفية إلى سهولها الشمالية العطشى، وتحويلها لأراض زراعية منتجة للحبوب والفاكهة والخضار والأعلاف واللحوم.
وأخيراً، ينتهي هذا المؤلف بالفصل الرابع عشر عن الجغرافية وأهميتها في المجال التطبيقي، حيث انتقلت من مرحلة الوصف إلى مرحلة التحليل والتعليل ثم إلى مرحلة التطبيق باستخدام الحواسيب، وأجهزة الاستشعار عن بعد بجانب الإحصائيات وتمثيلها بدقة، لتصل في النهاية لنتائج علمية قيمة في أي منطقة من المناطق الجغرافية التي يسلط عليها الضوء لوضع الحلول والتوصيات لمشكلاتها القائمة أو المتوقعة.