الجغرافيا هي أقدم العلوم، وجدت مع وجود الإنسان الذي بدأ بالتعرف على مكانه الذي يعيش فيه، ثم دفعه حب الاستطلاع للتعرف على الأماكن المجاورة، وبذلك اتسعت معرفته بسطح الأرض. وكان يصف الأماكن ويقارن بينها ويستوطن الأفضل منها، وتعرف على الظواهر التي كان يشاهدها، وأخذ يبحث عن تفسير لها، فكانت تفسيراته بدائية وبعضها كان من ضرب الأساطير والخرافات، إلى أن وصل إلى استخدام المنهج العلمي في البحث عن الحقائق والقواعد التي تنظم عملها للاستفادة منها بما يخدم رفع مستواه المعيشي وحل ما يواجهه من مشكلات. وظهرت بدايات الأفكار العلمية عند كتاب وفلاسفة الحضارات القديمة، وساهم المسلمون في تطوير الأفكار الجغرافية خلال العصور الوسطى، ثم بدأ ظهور المتخصصين في الجغرافيا في أوروبا قبل نهاية القرن التاسع عشر، وفتحت أقسام لتدريس الجغرافيا في الجامعات الأوروبية والأمريكية وغيرها من الدول. وأصبحت الجغرافيا علماً مستقلاً يربط بين العلوم الطبيعية والاجتماعية، فالجغرافيا علم شمولي ويقوم بالأعمال التي لا تقوم بها العلوم الأخرى، وتستفيد الجغرافيا من تطور العلوم المختلفة وتأخذ منها ما تحتاجه للدراسات الجغرافية التي ينتفع بها المجتمع وبدورها تسهم في تطوير العلوم المختلفة.
وتنوعت الأفكار والمبادئ الجغرافية خلال مراحل تطورها، وكان لكل فكرة مؤيدون يهتمون بإثبات آرائهم. وكانت الأفكار أحياناً تتعارض مع بعضها البعض، مما استوجب زيادة في البحث ما كان له دور هام في تقدم الجغرافيا، وقد اشترك في ذلك العمل عدد كبير من العلماء والفلاسفة، ثم الجغرافيون. وفي الكتاب عرض لتطور ما يرى مهماً من الأفكار الجغرافية، وذكر لبعض الجغرافيين كأمثلة مؤيدة أو غير مؤيدة لتلك الأفكار. وقسم الكتاب إلى ثمانية فصول هي:
الفصل الأول: اختص بشرح الأفكار الجغرافية في عصر الحضارات القديمة، وتمثل مرحلة بداية تعامل الإنسان مع الأرض، فقدم وصفاً وتفسيراً للظواهر المختلفة عن شكل الأرض ومحيطها، وتفسيراً للظواهر المشاهدة، ثم قام برسمها على الخرائط.
الفصل الثاني: اهتم بإسهامات المسلمين في تطوير الأفكار الجغرافية القديمة بتصحيح الخاطئ منها، وإضافة الجديد في العمل الجغرافي وابتكار منهج البحث العلمي في التجربة والملاحظة.
الفصل الثالث: وفيه شرح لأهم الكشوف الجغرافية في العصور الوسطى، وتم عرض بعض الأفكار والأعمال الجغرافية التي ظهرت في أوروبا.
الفصل الرابع: يهتم بالجغرافية الحديثة التي أدت إلى استقلال الجغرافيا لتصبح علماً متميزاً عن العلوم الأخرى. ويعرض فيه تطور الجغرافيا في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها من الدول.
الفصل الخامس: ويحتوي على شرح لماهية الجغرافيا وتعريفها، ثم استعراض المفاهيم التي يتفق عليها الجغرافيون، وهي التي تميز الجغرافيا عن العلوم الأخرى وفيه شرح لفروع الجغرافيا.
الفصل السادس: ويختص بشرح للمبادئ والمدارس الجغرافية المعاصرة، والتي نشطت في القرن العشرين، مثل الحتم البيئي والإمكانية والاحتمالية والراديكالية.
الفصل السابع: ويحتوي على الإبداعات التي أدت إلى ازدهار العمل الجغرافي، مثل تطور الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية، والنظم البيئية.