يزعم الناظرون في نظام الأحوال الشخصية الإسلامي بالنظرة العجلى محاباة الإسلام للرجل في إعطائه حق الطلاق ويتساءلون: أين هي المساواة بين الرجل والمرأة في بيت قرارُ بقاء المرأة أو عدم بقائها فيه بيد الرجل؟ إن كانت سعيدة فيه راغبة باستمرار عيشها في ظله، فما أيسر أن تفاجئ بقرار خروجها منه لرغبة أو لنزوة طافت بنفس زوجها الرجل، دون أن تملك المرأة (الزوجة) نقضاً أو نقداً لهذا القرار، وإن كانت الزوجة غير سعيدة في بيت زوجها لسبب ما وترغب في التحول منه على غيره، فليس أمامها إلا الصبر على عيش لا تملك اتخاذ أي قرار بحقه.
إن أمثال هؤلاء يتهمون الإسلام بالتحيز إلى الرجل في علاقته مع امرأته، وفي منهاج الطلاق الذي وضع بيد الرجل. إنهم قد نظروا من طرف واحد، ونسوا بل تناسى هؤلاء ظاهرة تحيز الإسلام إلى الزوجة في أمر المهر والنفقة.
إن مسألة الطلاق في الشريعة الإسلامية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسألة النفقة والمهر، وعندما ندرك تلك العلاقة الوثيقة بينهما، نوقن بأنها المصدر الأدق مع المساواة بين الزوجين.
إن هذه العلاقة بين الزوجين في الطلاق والمهر والنفقة تشبه علاقة كفتي الميزان الواحد، فهل من العقل أن ننظر إلى كفة واحدة ثم الحكم على ذلك من خلال هذه النظرة المجحفة.
لقد جعل الله من الطلاق مغنماً للرجل وربطه بالمهر والنفقة اللذين هما مغرماً على الرجل في نفس الوقت، وبالمقابل جعل الله من المهر والنفقة مغنماً للمرأة (للزوجة) وربطهما بالطلاق الذي جعله الله مغرماً عليها.
فإن ادعاء هؤلاء في عدم المساواة في هذا الترابط المتكافئ بين الرجل والمرأة مغنماً ومغرماً في الطلاق من جهة والمهر والنفقة من جهة ثانية. ولا يجوز الفصل بين هذين الأمرين المتكافئين في النظر إليهما. هذا هو النظام المتكامل الذي شرّعه الله للطلاق في الإسلام.
ويمكن أن نقسم الطلاق الذي يتعرض له الزوجان من حيث الإرادة إلى قسمين، الأول: طلاق يتم من خلال إرادتي الزوجين ولا إشكال فيه لأنه يتم عن طريق الإرادة المشتركة. والثاني: الطلاق الذي يتم بإرادة أحدهما، مع مخالفة الإرادة الأخرى، وهذا الذي يشكك فيه المشككون بضرورة إقامة ميزان العدل بين الطرفين.
وهذا إما أن يتم بإرادة الزوج والزوجة غير راغبة أو العكس، ففي حالة رغبة الزوج في الطلاق، وعدم رغبة الزوجة فيه جعل الشارع مقابل غنم الرجل يملك حق الطلاق الغرم عليه بوجوب دفع المهر والنفقة للزوجة، ولا يستثنى من هذا الحكم إلا حالة واحدة، هي أن يثبت أن الزوجة تلبست بنوع من النشوز، ثم أصرت على المضي فيه وأبت الإقلاع عن ذلك، فلذلك حكم آخر يتناسب والحالة هذه.
وأما ما يتم من ذلك في حالة رغبة الزوجة الطلاق دون الرجل، فعلى القاضي أن ينظر في موجبات هذه الإرادة، فإن كانت الموجبات ظلماً أو نشوزاً من الزوج وتعذر الإصلاح بالوسائل الممكنة، فإن على القاضي أن يحقق رغبتها في الطلاق، دون أن تخسر شيئاً من مهرها وكامل حقوقها المشروعة، وإن كان الموجب لرغبتها في الطلاق أمراً مزاجياً أو كراهية نفسية طارئة، أو نشوء علاقة عاطفية أخرى، أي لا يد للزوج فيه، وليس ناتجاً عنة تقصير منه في شيء من حقوقها، فللقاضي أن يستجيب بعد أن يقنع الزوج بذلك، ولكن للزوج في هذه الحالة أن يحتفظ أو يستعيد جزءاً من المهر الذي نحلها إياه أو أن يستعيده كاملاً إن شاء وهو ما يُسمى بالخُلع.
فالطلاق الذي يتم برغبة مزاجية من الزوج يجعل المهر كاملاً من حق الزوجة مع حقوق أخرى لها، والطلاق الذي يتم برغبة مزاجية من الزوجة يجعل المهر جزئياً أو كاملاً من حق الزوج، حسب الاتفاق.
على أن للزوجة أن تمارس حقها إن شاءت في الطلاق من الزوج مباشرة ضمن نظام الإسلام، أي دون وساطة القضاء، أن تتخذ إلى ذلك السبيل البيّن المشروع منذ يوم عقد النكاح، وذلك بأن تشترط أثناء العقد أن تكون عصمتها بيدها، فإذا وافق الزوج على ذلك استوت معه في التمكن من ممارسة هذا الحق عندما تريد بوجود الأسباب، وبدون وساطة القضاء، ولكن على أن يخضع للنتائج التي تم بيانها آنفاً.
وهنا لا بد أن نشير إلى أولئك الذين قصرت نظرتهم في نظام الإسلام، هل لديهم من بديل عن الطلاق في حل المعاضل الاجتماعية في الأسرة؟ إنه لم يظهر أي مشروع ناجح غير مشروع الطلاق في الإسلام، وإذا نظرنا إلى حال الطلاق وواقعه في الغرب فهو يتم بحقيقة الأمر من طرف أو إرادة واحدة منفردة، وفي الغالب بإرادة من الزوج، ولا يكلفه ذلك أي مغرم، لأن بإقدامه على الزواج لا يتكلف بالمهر ولا بأي شيء من ذيوله.
هناك نظام في أمريكا يقضي إذا طلق الرجل امرأته بإرادة منفردة منه بأن تضع الزوجة المطلقة يدها على نصف ممتلكاته، غير أنه لا أحد من الأزواج المطلقين يقع تحت طائلة هذا القانون أو النظام، ذلك لأن الطلاق الذي يتم هناك في أمريكا وأوروبا ليس أكثر من فراق غير معلن وغير مسجل يقرره الرجل في الغالب من طرفه، وهذا الذي يجعل أمر الطلاق سهلاً ميسراً على الزوج في أوروبا وأمريكا، فلا يكلفه أي مغرم، في حين أن المسؤوليات والمآسي كلها تتجمع منحطة على حياة الزوجة المطلقة .. المطلقة طلاقاً فعلياً غير معلن .. وهذا الذي يفسر مضي نسبة الطلاق في أمريكا في صعود مضطرد، حتى أنهم قالوا إن نسبة الطلاق الفعلي هناك قد تجاوزت في نهاية عام 1994 نسبة 70% من المتزوجين، ولعل البقية 30% التي لم تسري لها حمى الطلاق تتمثل كما قال بعضهم في أزواج وزوجات بلغوا من الكبر عتياً، إذ لم يبقى للزوج مآرب في بديل يتجه إليه بعد الطلاق، فلم يجد مناصاً من الركون إلى داره وقضاء البقية الباقية من حياته مع هذه التي ترعاه وتسليه وربما تعينه في مؤنته.
هل هذا هو النظام الأمثل لنظام الطلاق؟ وهل هذه هي الطريقة التي تحفظ للمرأة حقها ويحصنها في ميزان المساواة العادلة مع الرجل؟
من أجل هذا الجور في الأنظمة الوضعية بما يتعلق بالحياة الزوجية نرى ضرب الزوجات الجريمة الأولى في أمريكا، وقد نشر في جرائدهم أن امرأة تضرب في أمريكا إلى درجة التحطيم أو القتل في كل 12 ثانية من قبل زوج أو صديق، والكثيرون لم يتساءلوا عن السبب الكامن وراء هذه الجريمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، إن السبب كما ذكروا في مجلاتهم أن الرجل يملّ من الارتباط بزوجته أو صديقته ويتبرم بالعيش معها، فيختار من دونها العديد من أمثالها، وتضيق الزوجة أو الخليلة التي تواثقت معه على الحياة المشتركة بهذا الأمر ذرعاً، وتجرب المسكينة حظها في الإنكار عليه ومعالجة الأمر بالرجاء آناً وبالوعيد آناً آخر، فيقوم بينهما الصدام وينهال عليها الزوج أو الخليل ضرباً، متصوراً أنها غدت العقبة الكؤود في حياته، ويمضي مسلسل البلاء الخانق في صنع المجتمع المأساوي الذي تنتشر كتلة سوداء وسط الأضواء الحضارية الخادعة، ذلك المجتمع الذي يتكون اليوم من ملايين النساء المطلقات، والعوانس والمنكوبات بطرد أصدقائهن لهن، مع ذيول محزنة من ملايين الأطفال الذين لا تحنو عليهم إلا الملاجئ.
هل هذا هو البديل الماثل أمام أبصارنا الناجح بدلاً من نظام الطلاق في الإسلام، فأين الثرى من الثريا وأين الظلام من النور.
هل الأكرم للمرأة إذا طلقت أن تخسر كلاً من المال والزوج معاً، لأن زواجها يوم تم لم يكن قد ارتبط بأي ضمانة مالية لها؟ إذن فالعلاج عندنا، لكي ننصف المرأة المطلقة، أن نجردها من الحق الذي متعها الله به وحمّله غرامة أو ربما عقوبة على كاهل الزوج.