لقد عرفت البشرية منذ وجودها على هذه البسيطة أنماطا متعددة من النشاط الاتصالي، الذي عكس نوع الحضارة والثقافة التي كانت سائدة، إذ تصطبغ المجتمعات عادة بنمط الاتصال السائد فيها، والاتصال هنا بمعنى تبادل الأفكار والمعاني بين الناس من خلال الرموز والعلامات المتفق عليها، وقد تكون اللغة احدها وليست وحدها كوسيلة اتصال.
وشهدت المجتمعات المعاصرة، التي كتبت لنا الأقدار إن نعيشها حاليا، ومع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، تطورات سريعة ومتلاحقة في المجالات كافة تلقي بضلالها على أفاق حياة المجتمعات البشرية في الألفية الثالثة.
ويبرهن على ذلك، التقدم الذي نشهده حاليا في مجال تكنولوجيا الاتصال والإعلام على وجه الخصوص، وتزايد وتيرة الثورة الصناعية والتكنولوجية على وجه العموم، مما يتطلب ظروفا أفضل للتواصل البشري، ويفرض تحديات حقيقية على مختلف المستويات ويستدعي منافسات إقليمية ودولية إن كان في مجال الاتصال الإنساني والدولي أو بالمجالات الأخرى.
وخلال القرن العشرين المنصرم، ومع بدايات القرن الواحد والعشرين، أتاحت وسائل الاتصال الجماهيري، من صحافة وإذاعات ومحطات تلفزة ومسارح ودور سينما وشبكة انترنت ودور نشر كبرى، انتشار وتدفق المعلومات وتبادلها بين سكان العالم دون رقيب أو مانع، بحيث أصبحت وسائل الاتصال مسرحا للنقاش الجماهيري، ومنطلقا لشيوع المبادئ والأفكار الليبرالية والديمقراطية، مما قوض كثيرا النظرية السلطوية في العالم التي كانت ولقرون مضت تستخدم وسائل الإعلام بمثابة السيف المسلط على رقاب " الرعية " أو ما نسميهم "الجمهور" المغلوب على أمره!
إن وسائل الاتصال تحتل بالفعل مركزها الحيوي في عالمنا اليوم وقد أدخلت إلى إلية الأنظمة السياسية في العالم تعديلات أساسية، فالحياة السياسية اليوم تدور في وسائل الاتصال وحولها، وليس تحت قبة البرلمان والساحات السياسية فحسب.وتظهر أهمية التطورات التكنولوجية في مجال الاتصال والإعلام في المجتمع المعاصر لتعدد آثار هذه الوسائل على حياة الإفراد والمجتمعات.
إن لوسائل الاتصال تأثيرات متفاوتة، فالتلفزيون، مثلا، مازال وسيلة الاتصال الشعبية الأولى في العالم، وجماهيريته تصل إلى الملايين من المشاهدين السلبيين في اغلب الأوقات، ولكن التلفزيون يؤخذ عليه من قبل الباحثين تبسيطه للنقاش ومحاولة القائمين عليه تصنيع الرأي العام وتوجيهه.
أما الانترنت، فرغم انتشاره وتيسره وتوفر خدماته في اغلب المجتمعات، إلا انه مازال حكرا على نخبة من الناس تملك إمكانات مالية وعلمية متفوقة، وتتواصل بشكل دائم بفضل إمكانيات تقدمها الحكومات أو صانعو الحاسوب أو موزعو الخطوط لمستخدمي الانترنت خاصة في الدول المتقدمة.
مما لا شك فيه أن وسائل الاتصال الجماهيري تؤدي عدة مهمات ووظائف لا تخفى عنا، وتتجلى بالأساس في إفهام أفراد المجتمع لمهامهم واحتياجاتهم وفي التربية على الإعداد النفسي للعمل والحركة، كما تقوم بدور خاص في العمليات الاجتماعية– السيكولوجية – لتراص ووحدة الذات الاجتماعية للنشاط الاتصالي الجماهيريوهناك أيضا أهمية بالغة وكبيرة للاتصال الجماهيري بالنسبة للمجتمع، فقد لا يختلف اثنان على صعوبة الحديث عن أية عملية اجتماعية تنتج بين الأفراد، وجماعات، ومؤسسات بدون قناة ووسيلة للاتصال. إذ لا تصح نماذج العملية الاجتماعية في التوافق والاتفاق والتعاون والتخصص والتثقيف بدون اتصال.
وبمعنى آخر، يخص نمط الاتصال الجماهيري، حيث لا يمكننا تصور علاقات منسجمة، وتفاعلات حقيقية، وأنماط سلوك واعية بدون اتصال وبدون وجود وعمل وسائل الإتصال.
فاختفاء الاتصال ووسائله، يعني بالمقابل اندثار الحياة الاجتماعية المعاصرة، واختفاء كل أشكال التفاعل الاجتماعي وأنماط السلوك المتحضر.
ويرى عالم الاجتماع البريطاني أنطوني غيدنز أن: " لوسائل الإعلام أهمية تعادل ما للمدارس والجامعات في إقامة مجتمع المعرفة، وكلما اتسع هامش الحريات التي تتمتع بها وزاد اهتمامها بالقضايا المهمة مثل الحكم الصالح، والتمكين الاجتماعي، تعززت الحوافز لتأسيس مجتمع المعرفة ".
غير أن أوجه القصور في وسائل الإعلام العربية تقلل من فاعليتها في هذا المجال، كما أن السيطرة الحكومية وغياب الحريات الصحفية يقفان حجر عثرة ويحولان دون وصول عامة الناس إلى المعلومات.
والاتصال الجماهيري يعني ذلك النمط من الاتصال الذي يتم بين أكثر من شخصين لإتمام العملية الاتصالية، والتي غالبا ما تقوم بها المؤسسات أو الهيئات عن طريق رسائل جماهيرية.
ويتميز الاتصال الجماهيري بقدرته على توصيل الرسائل إلى عدد كبير من الجمهور، في اللحظة نفسها وبسرعة مدهشة، مع مقدرة على خلق رأي عام، وعلى تنميةاتجاهات وأنماط من السلوك غير موجودة أصلا، والمقدرة على نقل المعارف والمعلومات.
ويُشير مصطلح الاتصال الجماهيري، بوجه عام، إلى كل الوسائل غيرالشخصية للاتصال، التي عن طريقها تُنقل المعلومات بصورة سمعية أو بصرية، أو كلاهمامعاً، إلى الجماهير. وتشمل وسائل الاتصال الجماهيري: التليفزيون والراديو والصحفوالمجلات والكتب، وغير ذلك.
وإن كان الاتصال الجماهيري هو الطرق والوسائل (كالجرائدوالراديو... إلخ)، التي يمكن بها إيصال فكرة أو رأي إلى عدد كبير من الأفرادالمستقبلين والمنتشرين، في أماكن بعيدة ومتفرقة، فإن لكل وسيلة من وسائلهاستخداماتها، كما أن لكل منها مزاياها الخاصة. وكذلك، فإن كل وسيلة تختلف عن الأخرىفيما يتعلق بالجمهور، سواء الذي تخاطبه أو تحمل إليه نوعاً خاصاً من الرسائل. فالتليفزيون ـ مثلاً ـ يلائم الجمهور المتعلم وغير المتعلم، الصغير والكبير، لأنهيجمع بين الكلمة والصورة، فضلاً عن أنه يمكن أن يستخدم أكثر من وسيلة، كالقمرالصناعي والصحف. أما الصحف فتحتاج إلى جمهور متعلم ومثقف.
ويعرف الاتصال بالجماهير بأنه العملية التي يتم بوساطتها الاتصال بجمهور، أو بغالبية المجتمع الكلي أو جمع كبير منه، اتصالاً (يمكن أن يكون مباشراً أو غير مباشر) يهدف إلى إحداث تغيير في استجابته السلوكية الظاهرة أو غير الظاهرة.
الاتصال الجماهيري يتحقق عبر وسيلة توزع على جمهور واسع، ولكن لا تتحقق فيه عملية التغذية المرتدة (أو رجع الصدى) إلا بشكل قليل جدا. وللتغلب على انخفاض رجع الصدى يكون اللجوء إلى استطلاعات الرأي العام هو الحل الأمثل.