علم الاجتماع الاعلامي
شهد الإعلام تطورات بنيوية شاملة وعميقة في المجتمعات المعاصرة. فقد ازداد الطابع الفكري والأيديولوجي للعملية الإعلامية، كما برز الطابع الاقتصادي-الاستثماري للمؤسسة الإعلامية. وفي الوقت ذاته أدت التطورات العلمية وتطبيقاتها العاصفة في مجال الإعلام إلى إحداث تحولات عميقة في مقدرة وسائل الإعلام على الوصول والتأثير. كما أدى ارتفاع المستوى التعليمي للجمهور، وما ترتب على هذا الارتفاع من ارتفاع المستوى الثقافي، إلى تنوع الحاجات الإعلامية للمتلقي، وبالتالي، إلى إعادة نظر جذرية في تصميم الرسالة الإعلامية.
لقد أدت مجمل هذه التطورات تراكمياً إلى ازدياد الطابع الاجتماعي للإعلام، بصفتها عملية تفاعلية إبداعية مع الواقع الموضوعي، ومؤسسة اجتماعية شكَّلت نسقاً متميزاً، وقدمت ثقافة فرعية متميزة. كما أدت هذه التطورات والتحولات إلى ازدياد غنى المجال الإعلامي إلى مستوى غير مسبوق وتعقيده، تجسَّدَ في تحوُّل هذا المجال إلى حياة كاملة، مشحونة بالكثير من الأحداث، والظواهر، والتطورات، والقضايا والمشاكل، التي تطال جوانب حياة المجتمع كافة، وتؤثر فيها، وتتأثر بها.
لم يعد علم الاجتماع العام، بالرغم من تزايد اهتمامه بدراسة الظواهر الإعلامية، قادراً على الإحاطة الكاملة بمعطيات الحياة الإعلامية الجديدة في المجتمعات المعاصرة. وهذا ما أوجد ضرورة موضوعية لظهور علم جديد يكرس نفسه لدراسة معطيات الحياة الإعلامية في المجتمعات المعاصرة. وهذا العلم الجديد هو علم الاجتماع الإعلامي أو كما يسميه البعض علم اجتماع الإعلام.
يهدف هذا الكتاب، الذي ينتمي إلى كتب "المقدمات" أو "المداخل" إلى التعريف بأساسيات علم الاجتماع الإعلامي، ومجال تخصصه، وموضوعاته، وسماته، وأهدافه. وقد تضمن ثلاثة فصول: يهتم الفصل الأول بتعريف القارئ ببعض التعريفات والمفاهيم العلمية الضرورية، ويعطيه فكرة عن علم الاجتماع العام. أما الفصل الثاني فقد ركّز على علم الاجتماع الإعلامي وأبرز المحاور التالية: تزايد أهمية الإعلام وقوة حضوره في المجتمع، وبداية اهتمام علم الاجتماع بدراسة الظاهرة الإعلامية، وزيادة تعقيد الحياة الإعلامية، والبدايات المبكرة لنشوء علم الاجتماع الإعلامي وتطوره، وخصائصه، والموضوعات التي يدرسها، وطبيعة الظاهرة الإعلامية وخصائصها، والأبعاد الاجتماعية للعملية الإعلامية، وطبيعة الإعلام الاجتماعي، وغيرها من الأمور التي تغطي الجوانب المختلفة لعلم الاجتماع الإعلامي. أما الفصل الثالث فقد تم تخصيصه لتقديم عدد من الدراسات والبحوث التطبيقية التي اعتمدت المنظور الاجتماعي في دراسة الظاهرة الإعلامية في المجتمعات العربية المعاصرة. وقد تم ذلك بهدف ربط النظرية بالواقع وبالممارسة، من أجل تعميق فهم النظرية ورفع مستوى الممارسة.