لقد تطورت مفاهيم وفلسفة الجودة (النوعية  Quality) على مدى العصور ..، ابتداء من مفهوم جودة المنتج النهائي ووصولا إلى مفهوم نظام إدارة الجودة الشاملة (  TotalQuality  Management  ) . فبعد أن كان التركيز في المراحل الأولى على جودة المنتج النهائي وذلك من خلال المواصفات التي تحدد المتطلبات الدنيا والخصائص المطلوب توافرها في المخرجات النهائية المختلفة بهدف الحصول على منتج او خدمة تتوافق مع المواصفات الموضوعة ..، حتى انتقل التركيز إلى جودة العملية من خلال ضبط ومراقبة هذه العملية (أي كانت إنتاجية أو خدمية) للحصول على نسبة عيوب معينة ومحدودة . وان أي اختلاف او فرق ما بين الناتج وبين ما هو مطلوب يؤدي إلى دراسة العملية (او النظام) وإجراء التعديلات اللازمة لتصحيح مسارهما .

وقد كان هذا من أحد الأسباب التي أدت إلى نشوء أنظمة مختلفة للجودة في البلدان الصناعية ، وبالأخص تطبيقات نظام الجودة الشاملة ( TQM ) ليس فقط على المخرجات والعمليات الإنتاجية وانما قد شملت أيضا وبخاصة خلال السنوات القليلة الماضية على العديد من الجامعات الأمريكية والبريطانية الرائدة ( مثلا ) التي كانت ولا تزال تهدف إلى مناقشة كافة ا لمشاكل الخاصة بجودة النظام التعليمي ونوعية الخريج لهذا النظام، بعد أن كانت مقتصرة على العمليات الإنتاجية فقط.

ويتطلب نظام إدارة الجودة الشاملة وتطبيقاته جهودا كبيرة وطويلة المدى تشمل عادة على إعادة التركيز على رغبات وطموحات منظمات الأعمال والتجارة والمنظمات الأخرى في المجتمع بالإضافة إلى التطوير المستمر في أنظمة المدخلات والعمل بروح الجماعة وتعميق روح الفريق بدلا من اتباع الهيكلة الفردية . إضافة إلى ذلك ، العمل بمنظور الرؤيا الطويلة الأمد بدلا من الإصلاحات والحلول الفورية (الآنية) ذات الأمد القصير . إذ يهدف نظام الجودة الشاملة إلى تجديد الأعمال التي لها علاقة مباشرة بالجودة مع تحديد المسؤوليات والصلاحيات للأفراد ذات العلاقة واقامة علاقات تعاونية بينهما وكذلك إلى تأسيس آلية منظمة لتكامل الوظائف داخل المنظمة كلها .

وتأسيسا على ذلك ، يهدف هذا الكتاب إلى توضيح نظام إدارة الجودة الشاملة وكذلك المبادئ الأساسية التي  يعتمدها هذا النظام بالإضافة إلى استعراض المناهج (أو الطرق) الأربعة التي تستخدم في تحديد  إدارة الجودة الشاملة .وسوف يستعرض أيضا هذا الكتاب العديد من المفاهيم ذات الصلة بنظام إدارة الجودة الشاملة..، سنحاول من خلال النهج الأول المحاولة إلى تحديد مفهوم الجودة بالكثير من الدقة . لان التعرف بدقة على مفهوم الجودة سيؤدي بالضرورة إلى الفهم الشامل لمفهوم نظام إدارة الجودة الشاملة (TQM) . أما النهج الثاني ( أو المدخل الثاني) فسوف يتركز على فحص بعض التطبيقات المستخدمة من قبل الشركات الصناعية التي تعتمد نظام إدارة الجودة الشاملة في بعض البلدان الصناعية. هذا ونرى من المفيد التعرف على المعايير المستخدمة في نظام جائزة الجودة في الولايات المتحدة الأمريكية (Baldridge Award) التي تقدم برنامج عمل محدد لهذه التطبيقات. ومن خلال هذه العلاقة ، سوف يتم استعراض بعض الدراسات التي يقدمها برنامج دراسة الجودة العالمية باعتبارها دراسات استشارية معمقة بهذا الخصوص.

أما النهج الثالث ( أو المدخل الثالث) فسوف يتركز على فلسفات إدارة الجودة الشاملة في مراحلها الريادية لتطور مفهوم الجودة ومن أهمها فلسفة كل من Taguchi , Ishikawa, Feigenabaum, Crosby , Juran , Deming . وأخيراً، فان النهج الرابع سوف يتركز على تقييم إدارة الجودة الشاملة في اليابان التي استندت على الأعمال التي قام بها (Shoji Shinba) باعتباره أحد رواد الجودة اليابانية .

وقد حاول المؤلف في جعل هذا الكتاب بمثابة المدخل الشامل لادارة الجودة الشاملة بكافة أبعادها آخذا بنظر الاعتبار من جعل هذا المطبوع يغطي معظم الأمور التي تنسجم مع خطط مساق ادارة الجودة الشاملة الذي يدرس في معظم اقسام العلوم الادارية في الجامعات داخل وخارج المملكة الأردنية الهاشمية .

وعليه , فقد احتوى الكتاب على بابين و (10) فصول حيث ركز الفصل الأول على مفهوم وطبيعة ادارة الجودة الشاملة بالاضافة الى عرض مركز وشامل لمراحل تطور ادارة الجودة الشاملة في كل من البلدان الغربية واليابان . في حين استعرض الفصل الثاني كافة الأمور المتعلقة بكلف الجودة وآلية قياسها .

وبهدف تحقيق التدفق المعرفي لموضوعات الكتاب واتساقها البعض مع البعض الأخر .., فقد جاء الفصلين الثالث والرابع لتكتمل الموضوعات المتعلقة بالاطار العام لمفهوم وطبيعة ادارة الجودة الشاملة . وقد ركز الفصل الثالث على المداخل الفلسفية للرواد الأوائل مبينا الاتجاهات التي تضمنتها فلسفة كل منهم . وقد تظمن الباب الثاني الذي تركز على التخطيط والسيطرة على الجودة مع التركيز على التخطيط الاستراتيجي باعتباره أحد المحاور الأساسية لنظام الجودة وتطورها بصورة عامة . ومن خلال الفصول الخامس – العاشر , فقد تم التركيز وبالتفصيل على شرح الادوات الاحصائية والوحات المستخدمة في السيطرة على الجودة مع ادراج العديد من الأمثلة التي تساعد القارئ على فهم أساليب السيطرة الاحصائية وكذلك لوحات السيطرة على الجودة . هذا وقد غطى الفصل الثامن الادوات الحديثة المستخدمة في بناء وتأسيس مؤشرات الجودة ايتداءا من الآلية المستخدمة في سماع صوت الزبون لفهم حاجاته ورغباته مثل بيت الجودة ونموذج "موتورولا"Six- Sigma . وأخيرا استعراض آلية التسجيل والسعي للحصول على شهادة "الأيزو 9000" حيث جاء الملحق الرقم (1) في نهاية الكتاب مكملا لهذا الهدف .

واتساقا لموضوعات المطبوع وتحقيق الشمولية .., فقد تم جعل الفصل التاسع في تغطية ادارة الجودة الشاملة وتطبيقاتها في منظمات الخدمة حيث شمل هذا الفصل بعض التطبيقات التي من الممكن أن تكون جديدة على المنظمات في الوطن العربي . ومن هذه التطبيقات هي تطبيقات ادارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي وبخاصة الجامعات والكليات وكذلك في مؤسسات الرعاية الصحية . وقد جاء الفصل العاشر لكي يكمل مهمة هذا الكتاب في استعراض بعض جوائز الجودة في بعض البلدان بالعالم حيث تم التركيز على جائزة الملك عبدلله الثاني للتمييز في المملكة الأردنية الهاشمية والجائزة الوطنية للجودة في الولايات المتحدة الأمريكية .