ما الذي يعنيه العنوان" مدخلٌ إلى علم اللغة" إنْ لم يكنْ مهاداً مُبسَّطًا لا يخلو من عمق يسمح للقارئ بارتياد الفضاء اللغوي الذي لا يخلو من مرامٍ بعيدة التجوال، ورحاب فسيحة للقول والخلاف والجدال؟ فاللغة من حيث التعريفُ والتوصيفُ ليست بالأمر اليسير الهيّن،  الذي يكفي فيه القول الوجيز، والكلِمُ السّريعُ البيّن، فمن شاءَ أن يتتبَّع تعقيدات الوصف والتعريف، فإنّ كتابا بهذا الحجْم ، أو أكبر،  يضيق عن استيعاب جلّ ما يقال في هذا،  ويقصّر. وماذا عن علاقة اللغة بالاتصال ، أو علاقتها بالتفكير،  أو التعبير،  أو المُجْتمع،  وبالنظريات اللغويّة، وهي في تزايد مستمر،  وتعاظم موصول، وتداخل ٍأوضح من أنْ يخفى على أحدٍ. فهل تكفي فصولٌ ثلاثة،  أو أربعة،  من كتابٍ ، أيا كان حجمُه ، لاستيفاء البحث في نظريات ِاللغة؟

لا ريْبَ في أنّ مناحي النظر في اللغات تتنوّع، وتتشعّب، فروعاً ومدارس واتجاهات، وتتعمّق سبل التأمل فيها، والاستقصاء، فتغدو طرائق متمايزة، ومنهجيات مُتناجزة، وهذا الكتابُ لا يدعي استقصاء القوْل في هذه الجوانب، أو تلك، على الرغم من حرص مؤلفه على الإحاطة والشمول، والإلمام من كلّ باب ٍبفصول ٍمنه ُوَنُقول،  فالمناهجُ اللغوية كثيرة، منها الوصفيّ والتاريخي، ومنها المعياري والمقارن والتقابليّ، ومنها الكمّي والإحصائيّ، ومنها التحويلي- التوليدي، والبنيوي، ومنها السيميائي، والتفكيكيّ ،  ومنها الأسلوبيّ ، والتداوليّ. . وغير ذلك الكثير مما يصْعُبُ حصرُه،  ويشق تتبّعُه، واستقصاؤه.

هذا ولم نذكر في هذا التساؤل مناهج العرب القدامى، ممن كان لهم القدح المعلى في بناء النظر اللغوي على أمتن الأسس، وأقوى الأعمدة ، وأعلى الأركان، فماذا عن مدرسة القياس في البصرة، والسماع في الكوفة؟ وماذا عن المدارس البغدادية،  والأندلسية، وماذا عن وصفية  ابن مضاء القرطبي، الذي جمع في الرد على النحاة بين المذهب النحوي والمذهب الظاهري؟ وماذا عن طرائق اللغويين في جمع المتون، وتصنيف المعاجم مجنسة تارة ً، ومبوَّبة تارة على وفق الأغراض والفنون؟

فلو شاءَ مؤلف – كائنًا من يكون- أن يتتبّعَ هذا كله،  أو جله،  لما كفاه كتابٌ ، بل كانت حاجته ماسة إلى مزيد من الكتب، أو -على الأقل - إلى كتابٍ من أجزاءٍ عدة.

ومع حرصنا اللافت على الاختصار، والإيضاح،  لمْ ندَع ْمن مجالات الدرس اللغوي التي يُسلط فيها الضوء على مستويات اللسان: من أصواتٍ ، بجلّ ما في علم الصوتيات من تفريع،  وتشعيب،  على وجه الإجمال،  ومن تصريف، بما في ذلك من توضيح لنظرية المورفيم الصرفي،  والاشتقاقي، ومن نظر جديد في النحو، سواءٌ منه ما يوصف بالنحو التوليدي-  التحويلي ، أو البنْيوي، أو التوزيعي، وما يتصلُ منه بالدلالة اللغوية،  بدْءًا بتوجيه النظر إلى المُفرَدَة، وعلاقة الدال بالمدلول، واعتباطية الدليل، مروراً بالسُّبل التي تنتهجها اللغات في تحديد المعنى،  اعتماداً على السياق اللفظي تارةً، وتارة بالاعتماد على السّياق المَقامي، وما فيها جميعا من ظاهرة المشترك،  والمُترادف،  والمُتجانس، والمُتعاكس(الأضداد)وما جدّ في البَحْث اللغويّ من نظرٍ على مستوى الإشارة، والتركيز على استبطان العبارة،  مع التنبيه، في غير قليل من الإيجاز والتكثيف، على سُبل اللغات في التطور، وأسباب هذا التطور وظواهره.