تحتل اللغات القومية للأمم مكانة مرموقة في مناهجها الدراسية، لأنها العامل الأول الذي يجمع بين أفراد الأمة، بل إنها السبب الرئيسي غالباً في تسمية الأمة باسمها، فالفرنسي يعرف بلغته الفرنسية والألماني بلغته الألمانية، وهكذا.

واللغة العربية بمكانه خاصة عند أهلها تفوق ما للغات الأخرى عند أهلها، ذلك بأنها لغة القرآن الكريم، الذي يحرص جميع المسلمين على بقاء لغته حية مألوفة عند الجميع. وهذا الحرص له مظاهر متعددة تتنوع بتنوع ثقافة الأفراد، كما تتنوع محاولات المحافظة عليها وخدمتها تبعاص لذلك.

وهذه الدراسة تندرج تحت هذا الباب؛ باب الحرص على اللغة العربية، ومحاولة خدمتها، بتقديم أفضل الطرق والوسائل التي يقدمها الآخرون للغاتهم القومية؛ في ميدان تعلمها واكتساب مهاراتها، والحفاظ عليها حية تواكب تطورات العصر، وتحقق الهدف من استخدام اللغات؛ وهو استخدامها وسيلة للتفكير والتواصل بين أهلها، فلقد اطلعت على ما يفعله الآخرون للغاتهم وحاولت في هذه الدراسة أن أستفيد من تجاربهم في خدمة لغتهم، وأنقل تجاربهم الناجحة إلى المثقف العربي، وأطبق الأساليب الحديثة في تعلم اللغات على اللغة العربية، لعلي اخدم لغتي، ولذلك رأيت أن يكون العمل في سلسة من الكتب؛ يتناول الأول الأسس النظرية للتعلم وفكرة المهارات اللغوية، وتتناول الكتب التالية وسائل تطبيق هذه الأسس، والتدريبات العملية لاكتساب المهارات الفرعية لكل مهارة من المهارات الرئيسية الأربع؛ الاستماع والقراءة والتحدث والكتابة.

وهذا هو الكتاب الأول من هذه السلسلة؛ ويتناول بالتفصيل الأسس النظرية اللازمة للمنهج الحديث في تعلم اللغات، والمنهج الذي يتعامل مع اللغة على أساس أنها مجموعة من المهارات التي تكتسب وتمارس، وليست مجموعة من القواعد والقوانين اللغوية تحفظ، ولا يستطيع تطبيقها بنجاح إلا قلة من الأفراد الذين يتمتعون بقدرات خاصة، والمنهج الحديث لا يلغي أو يهمل المعلومات الخاصة بقوانين اللغة، ولكنه لا يقف عند حدود معرفة هذه القوانين، بل يتجاوز ذلك إلى استخدام هذه القوانين وتطبيقها، فالمهارة في تطبيق أمر ما تقوم على فهم القوانين العلمية أولاً، ثم التدرب المتكرر ريثما يتم إتقان الممارسة، واكتساب القدرة على ممارسة هذا الأمر بفاعلية ونجاح في أي موقف جديد، وهذا ما يطلق عليه اكتساب المهارة في أمر ما.   

وقد رأيت أنه يلزمنا قبل الخوض في مهارات اللغة العربية أن نتعرض بإيجاز للتعلم والتعليم المعاصرين بشكل عام، ثم لتعلم وتعليم اللغات عموماً، وتعلم وتعليم العربية على وجه الخصوص، وبعدها ننتقل إلى الحديث عن مهارات اللغة العربية وطرائق اكتسابها، فقد جدت أشياء كثيرة على أهداف التعلم والتعليم اقتضت تطوير مناهج وطرق التعلم والتعليم، كما تمت اكتشافات تقنية كثيرة تساعد على التعلم والتعليم، فحاول العلماء استخدامها لخدمة أهدافهم، ولذلك سأبدأ ببيان أهم ما طرأ في ميدان التعلم والتعليم عامة، ثم أبين صلة ذلك بتعلم اللغة بشيء من التفصيل؛ ولهذا جاء الكتاب في ثلاثة أبواب، تناول الباب الأول في الفصل الأول التعلم والتعليم المعاصرين، والفصل الثاني تعلم وتعليم اللغة، والفصل الثالث تعلم وتعليم العربية.

وتناول الباب الثاني المهارات اللغوية الأربع؛ فتناول الفصل الأول مهارة الاستماع؛ لأنها الوسيلة الأولى في اكتساب اللغة واستقبال أفكار الآخرين، وتناول الفصل الثاني مهارة القراءة، لأنها الوسيلة الثانية في استقبال ما لدى الآخرين، وتناول الفصل الثالث مهارة التحدث لأنها الوسيلة الأولى في التواصل مع الناس، ونقل ما لدينا إليهم، وتناول الفصل الرابع مهارة الكتابة فهي الوسيلة الثانية لنقل وتدوين أفكارنا.

ولما كانت الكفاءة في استخدام اللغة تختلف من فرد لآخر، وتسهيلا لعملية التعلم؛ فقد قسمت الكفاءة إلى مستويات، وبينت خصائص المتعلم في كل مستوى، بحيث يستطيع المتعلم أن يعرف مستواه، ثم يحاول اكتساب المهارات اللازمة للانتقال إلى مستوى أعلى وهكذا، وكذلك المهارات تتسلسل من المهارات البسيطة السهلة إلى المهارات الأرقى الصعبة، ولذلك جاء الباب الثالث في ثلاثة فصول؛ تناول الأول تسلسل مستويات المهارات طبقاً للمهارات، وتناول الثاني تسلسل المهارات طبقاً للمستوى، وتناول الثالث تسلسل مستويات الكفاءة في المهارات الأربع.