نمو الطفل المعرفي واللغوي من المواضيع الجوهرية التي تهم كل المعنيين في ميدان علم النفس أو ميدان التربية وعلم النفس التربوي. حاولت ان أقدم للقارئ الكريم كتاباً علمياً متخصصاً متضمناً أهم الموضوعات التي تهتم بالجانب المعرفي واللغوي للطفل واكساب المهتمين في مجال التربية والتعليم من طلبة ومدرسين ومختصين المعرفة بجوانب النمو المعرفي واللغوي للطفل وتطوره وذلك من خلال الجانب النظري والتطبيقي.

   يتألف الكتاب الحالي من عشرة فصول تغطي موضوع النمو المعرفي واللغوي من جانبين نظري وتطبيقي، حيث جاء الفصل الأول موسوماً بتعريف علم النفس المعرفي اللغوي وتضمن مفاهيم أساسية في علم النفس المعرفي واللغوي ومفهوم علم نفس النمو مبادؤه وجوانبه مثل النمو الجسمي، العقلي، الانفعالي، اللغوي، الفسيولوجي، الحركي وغيرها. وتضمن الحديث عن مفهوم علم النفس المعرفي وافتراضاته الأساسية وموضوعاته القديمة والحديثة، وكيف يمكن دراسة العمليات المعرفية بتحليل الأسس السيكولوجية للمعرفة وباستخدام مظاهر سلوكية معينة دون الاعتماد على تفاصيل فسيولوجية وعصبية. واشتمل على لأسس البيولوجية للمعرفة والتطور الذهني والمعرفي ومفاهيمه وتطور العمليات الذهنية المعرفية واللغوية حيث ان النمو العرفي يرتبط بنمو مجموعة من الجوانب المعرفية العقلية وتطورها، مثل: الادراك، التذكر، الانتباه، التفكير، الاستدلال، التصور. وتكمن أهمية معرفة هذه الجوانب في إثراء المظاهر التي أبرزتها المراحل النمائية.

أما الفصل الثاني فتناول تفكير الأطفال من حيث ماهية تفكيرهم ، وتساؤلات متعددة حول هذا التفكير من حيث انه امكانات أو قدرات موروثة وهل يتقدم تفكيرهم عبر مراحل مختلفة من النمو، وما هي التغيرات التي تحدث في تفكيرهم، وكيف يسهم نمو المخ والعالم الاجتماعي في نمو الاطفال معرفياً، والدافع الرئيسي للعالم بياجيه لوضع نظريته، ونظرية برونر في نمو الطفل معرفياً، وأهم العوامل المؤثرة في النمو المعرفي.

وفي الفصل الثالث تم الحديث عن التفكير بأسلوب حل المشكلات، والابداع والذكاء البشري حيث تم عرض نظريات عن مواضيع تعتبر الارقى في العملية الادراكية المعرفية وهي حل المشكلات، الابداع، والذكاء البشري. وقد تمت دراسة هذه المواضيع من قبل باحثين مهتمين بكيفية ملاءمة كل واحد منها في المخطط البشري للإدراك، وان حل المشكلات يتخلل كل جزء من النشاط البشري وقاسم مشترك لمجالات واسعة ومتفاوتة كالعلوم والقانون والتربية والاعمال والرياضة والطب والصناعة والادب وغيرها، فالبشر هم أنواع فضولية ومرتبطون بشكل او بأخر بالبقاء، والفضول يؤدي الى حل المشكلات بشكل مبدع طوال العمر.

وتناول الفصل الرابع النظريات الاجتماعية الثقافية حيث يؤثر العالم الاجتماعي على ما يفعله الأطفال وعلى ما يفكرون فيه، وكيف يفكرون، فالتفاعلات مع الاخرين تزود الأطفال بفرص التعلم، والسياق الثقافي يؤثر في الأنشطة النموذجية للأطفال وفرصهم للتفاعل الاجتماعي، ويوفر الأدوات المهمة التي يستطيع الأطفال استخدامها للسلوك والتفكير. وان النظريات الاجتماعية الثقافية تؤكد دور العالم الاجتماعي والثقافي في نمو الأطفال وتبحث كيف تؤثر هذه العوامل في المعرفة والنمو.

وتحدث الفصل الخامس عن النمو الادراكي وما يتضمنه من القدرة البصرية والانتباه للأنماط البصرية، والتعرف على الاشياء والاحداث وتحديد مواضعها. ثم السمع والانتباه الى الاصوات وتحديد مواضع الاصوات والدمج بين الحواس (التكامل الحسي)، ثم الانتباه والادراك والفعل حيث ان الادراك يوجه الفعل والافعال تولد معلومات ادراكية، ولو اقتصر موقف الفرد من العالم الخارجي عند حد الحس والشعور الخام لما كان نصيبه من هذا العالم الى مجموعه متداخلة متزاحمة من الاحساسات البصرية والسمعية واللمسية والشمية والذوقية المبهمة، ولما استطاع ان يكيف نفسه مع البيئة التي يعيش فيها دون اي تأويل.

اما الفصل السادس فتناول نمو الذاكرة وما تتضمنه من عمليات التشفير والتخزين والاسترجاع، وتمت الإشارة الى الذي ينمو في الذاكرة من العمليات والقدرات الأساسية والذاكرة الصريحة والضمنية وعملية التداعي والتعرف والمحاكاة والاستدعاء والاستبصار والتقييم ودمج الخبرات وسعة المعالجة وسرعتها ولغز فقدان الذاكرة. 

وفي الفصل السابع تم الحديث عن النمو المعرفي ونظرية معالجة المعلومات، من حيث التعريف بنظرية معالجة المعلومات وتفسيرها لآلية عمل الدماغ، وكيف استطاعت توضيح عمليات التفكير والذاكرة وإيمانها بتحديد الذاكرة وتفسيرها للنمو. حيث ان نظرية معالجة المعلومات تختلف عن النظريات المعرفية القديمة، لأنها لم تكتفِ بوصف العمليات المعرفية التي تحدث داخل الانسان فحسب بل حاولت توضيح وتفسير حدوث هذه العمليات ودورها في معالجه المعلومات وإنتاج السلوك.

الفصل الثامن ويتحدث عن المفاهيم فالبحث عن تعريف للمصطلح (مفهوم) يعتبر كابوساً يؤرق مؤلفي المعاجم فالمصطلح معقد محير كمصطلحات الفن، الحياة، وغيرها. وإن تباين وصف هذا المفهوم يجعله بعيداً عن التماثل، حيث إن عدم التشابه في الحقيقة أكثر لفتاً للنظر من التشابه وإعطاء هذا التفوق للاختلاف بين المفاهيم أكثر من التشابه بينهما، يجعل هذا العمل أكثر صعوبة ومخرجاته أكثر عمومية على نحو غير مرضٍ. لكن إذا كان من الصعوبة تحديد المفاهيم فبالتأكيد يمكن وصفها وبذلك تصبح ذات فائدة.

والفصل التاسع تناول الوعي الاجتماعي والذي تضمن طبيعة الإنسان والشؤون الإنسانية وإدراك كل ما يتعلق بالبشر وما يقومون به. كذلك فإن الآلات والحاسبات والأحكام الأخلاقية تعتبر من نتائج الوعي الإنساني، حيث يعالج الوعي الاجتماعي في العالم الاجتماعي وليس المادي والمنطقي والبحث العلمي وهذا النوع من الوعي يعتبر حالياً من أهم المواضيع بالنسبة لعلماء النفس، كما أن التطبيق الفعلي له كان على قدر كبير من الأهمية بالنسبة المهتمين بالجنس البشري ككل. فهناك دوافع عديدة تدفع الإنسان لمحاولة فهم نفسه والآخرين والعلاقات بينه وبين الآخرين والعادات الاجتماعية والمؤسسات، أي أنه في الوعي الاجتماعي يتعامل الإنسان مع الأهداف البشرية الإنسانية لا الأشياء المادية.

وتناول الفصل العاشر النمو اللغوي حيث ان تعلم الكلام وفهم الناس الآخرين من أكثر المهارات المعقدة التي يكتسبها الطفل، وبما أن القدرة على اكتساب اللغة وبشكل بيولوجي فإن الإنسان مع ذلك هو الكائن الوحيد القادر على اكتساب نظام للتخاطب عالي التطور. وتم الحديث عن قضايا عامة تتعلق بنمو اللغة مثل هل اللغة ذات شأن وطبيعة خاصة؟ وما اشارت اليه بحوث العالم(تشومسكي) الى أن هناك معرفة موروثة (قواعد عمومية) وميكانيزمات خاصة تسمح للأطفال بالتعرف على الأنواع الممكنة القليلة من القواعد والتي تستخدمها لغتهم الأم ومن ثم تعلم هذه اللغة بسرعة برغم تعقيدها. وما اشار اليه العالم (ماكويني) الى أن تعلم اللغة ذو طبيعة خاصة ينتج من تفاعل فريد ومعقد بين العوامل العصبية والمعرفية والاجتماعية التي تطورت تدريجياً عبر مسارات التاريخ.