لقد ظهر "علم اقتصاديات التعليم" ليكون جسراً يوثق علاقة التعليم بالاقتصاد، إذ عن طريق هذا العلم يتم تطبيق مفاهيم ونظريات علم الاقتصاد وأساليبه ووسائله في ميدان التعليم؛ بما يتناسب وطبيعة نظم التعليم وخاصية أداء المؤسسات التعليمية لمهامها، وما تقصده من غايات تربوية.

ان الباحث استخدم لفظ "التعليم" في هذا الكتاب بدلاً من لفظ "التربية"، واستخدم "اقتصاديات التعليم" بدلاً من "اقتصاديات التربية"، في حين أن الأصل هو استخدام لفظ التربية في كلي الحالتين؛ على أساس أن ناتج التعليم أكان في المدرسة، أو في أية مؤسسة تعليمية أخرى، أو في نظام التعليم هو التربية؛ كون المدرسة عندما تقوم بالتعليم ليس من أجل حصول العملية التعليمية بحد ذاتها، ولكنها تقوم بالتعليم باعتباره إحدى وظائفها، إنما من أجل حدوث عملية التربية عند التلاميذ بوصفها ناتجاً نهائياً تقصده، وبالتالي تحقق الأهداف التربوية التي وجدت من أجلها.

والمدرسة عندما تضع أهدافاً تعليمية إنما باعتبارها أهدافاً وسطية تمكن المستويات التنظيمية (التعليمية والإدارية والفنية) من القيام بمهامها وأنشطتها المختلفة؛ بغرض توزيع أعباء تنفيذ تلك الأهداف التعليمية على مستويات خط السلطة، أو مسؤوليات اتخاذ القرار، للقيام بتلك المهام من أجل تحقيق الأهداف التربوية، بوصفها غاية نهائية وجدت المدرسة وسواها من أجل هذه الأهداف.

ويرجع سبب استخدام لفظ "التعليم" بدلاً من لفظ "التربية"، ليس لما هو شائع الاستخدام في الكتب المناظرة لهذا الكتاب - وإن كان هذا أحد الأسباب- وإنما حتى يمكن التمييز بين التربية التي تقوم بها المدرسة، والتربية التي تقوم بها المؤسسات التربوية الأخرى كالأسرة والمسجد والإعلام... الخ، بدرجة أساسية، وإن كانت التربية اللامدرسية تمثل الشق الداعم والمكمل للتربية المدرسية، بل قد تكون التربية اللامدرسية الشطر الحاسم في تقرير مصير التربية لدى هذا التلميذ أو الطالب أو ذاك؛ وكذلك بغرض إزالة اللبس لدى البعض في استخدام لفظي التعليم والتربية، وكأنهما منفصلين، أو كأن المدرسة ليس لها دخل بالتربية. لذلك فإن ما يحسن التأكيد عليه هو أن لفظ التعليم المستخدم في هذا الكتاب يحمل معنى التربية بكل أبعادها، والعكس يمكن اعتبار لفظ التعليم مرادفاً للفظ التربية؛ نتيجة للأسباب السالف ذكرها.

وبطبيعة الحال يضم الكتاب الحالي بين دفتيه ستة فصول، حيث تناول الفصل الأول: علم اقتصاديات التعليم بدءاً من رصد مسيرة العلاقة بين التعليم والاقتصاد تحليلاً ونقداً، ومروراً بنشأة علم اقتصاديات التعليم وتطوره، ومفهومه وأهميته، وانتهاءً بمجالات علم اقتصاديات التعليم. بينما تناول الفصل الثاني النظريات التي حللت العلاقة بين التربية والتنمية، مستعرضاً عشر نظريات تحلل وتفسر نتاج الفكر التنموي حول العلاقة بين التعليم والتنمية التي تعكس رؤى هذا الطرف أو ذاك، من خلال ثلاثة محاور، مع اختتام كل نظرية بالنقد الموجه إلى كل منها.

وناقش الفصل الثالث علم اقتصاديات التعليم بالمدرسة بوصفه تطبيقاً جزئياً لعلم اقتصاديات التعليم في المدارس من حيث المجالات التي يدرسها، والتركيز على تمويل المدارس، وتقويم مصادر التمويل الحالية في ضوء المعايير التي تعكس الجهد التعليمي في المجتمع، وكيفية إعداد ميزانية المدرسة، وفقاً لأسلوب المحاسبة القومية، وصور توزيعها على شتى أوجه الاستخدامات في المدرسة.

وعرض الفصل الرابع بالتحليل والنقد والتفسير للإنفاق في التعليم، والتكلفة والعائد في التعليم، وأساليب قياس هذا وذاك. في حين تناول الفصل الخامس الكفاية والإنتاجية في التعليم، وسبل قياسها والحكم عليها، مع بيان الهدر التربوي الذي يؤثر على الكفاية والإنتاجية.

وأخيراً حلل الفصل السادس أهمية الاستثمار التربوي وأشكاله في التعليم، ورصد أبرز صيغ وأساليب تفعيل الاستثمار المدرسي، ورفع كفاية مخرجاته، وفي مقدمتها المدرسة المنتجة.