لايوجد سلع في سلة المشتريات
0 السلع | $0.00 |
أصبح الوطن العربي بيئة تاريخية نشطة، فهو أحد الأماكن الرئيسة التي تطور فيها الإنسان العاقل، وهو أول الأماكن التي شهدت بزوغ فجر الحضارة، وفيه بدأ النظام البشري يتضح في شكل تقسيم اجتماعي للعمل وظهرت فاعليته في مبتكرات حضارية في طليعتها (عدا وسائل الإنتاج) ابتكار تقويم دقيق للزمن، واختراع الكتابة، وتطوير مركّب أساطيري من الأفكار والمعتقدات عن خلق الكون ومراكز القوى فيه. اتّسم إنسان هذا الوطن بقدرة فريدة على التأمل والتنبؤ والسيطرة وتحقيق التقدم بعد أن حقق له تطوره، تلك القدرة الفريدة على تشغيل العقل والتوفيق، بينه وبين حركة يديه، ونضج القدرة على النطق، وتحويل الهمهمة إلى أصوات لتتحول تلك الأصوات فيما بعد إلى رسوم وحروف تتشكل منها المفردات اللغوية فيسمى الكون ومظاهر الحياة المختلفة فيه. بدأ الإنسان تائهاً في الكون، ضعيفاً في الطبيعة، غير أنه أصبح مانح الأشياء أسماءها، يصنع التقدم ويديم التمدن الاجتماعي.
كان منطقياً أن ينشأ في الذاكرة البشرية حيز للتاريخ منذ أن وعي الإنسان أن يوماً في حياته قد أصبح ماضياً، وإذا كنا لسنا قادرين على القول متى بدأ يفكر أنه يعي ما مضى لا لذاته حسب إنما لصلته بالمستقبل، فإننا الآن نمتلك إشارات عديدة إلى وعي مبرمج بهذه المسألة من عصور تاريخية مبكرة تكشف وعياً مبكراً بأهمية حفظ المعرفة ونقلها إلى الآتي. كان التطور المهم في هذا الحيز من الذاكرة اقترانه بالزمن والتعبير عنه بصياغة أدبية، إذ في ذلك الوقت بدأت فكرة التاريخ، ولكن ليس كل ما سجله القدماء من معارف وصل إلينا، لهذا فإن قدرتنا على تصور ذلك محدودة، وحتى في الذي وصل إلينا يمتزج الخيال بالواقع ويصعب التمييز بينهما في أحيان كثيرة، ولكن علينا أن نتذكر أن الذي وصل إلينا هو خلاصة تجربة حياة، رغم أنه يبدو (مركّباً أساطيرياً). على هذا الأساس هو أمر ذو قيمة أساسية؛ وكل ما نحتاجه هو قراءة الجغرافية التي ولد فيها صانع هذا المركب، والوقوف على ما دوَّنه لقراءة العقلية التي أنتجته أياً كانت طبيعته.
لعب الإسلام دوراً في الحياة العربية والإنسانية، وفي الحياة العربية كان تأثيره شاملاً كان ديناً وكان نضجاً تارخياً، وكان حياة شاملة. ولعل تأثيره الجوهري كان في العقل العربي فقد ارتقى به كثيراً، وكما لم يتحقق سابقاً. كان تأثيره أيضاً في الروح العربية في بنائها الأخلاقي والنفسي، عندما تسلم تلك المقدمات الأولى في بناء الموقف الأخلاقي ليمنحها بُعداً إطلاقياً في الذات والزمن معاً. لهذا يمكننا القول دون تردد أن الروح توافقت مع العقلية، وتوافقتا معاً مع النمط الحضاري، وثوابت التطور التاريخي للأمة لتصنع نهضة عربية، وتحقق حضارة ومدنية عربية كانت لقوتها وعمق تكونها الإنساني قادرة على التحاور مع متغيرات الزمن، لتبقى هي وينضوي الآخرون تحت خيمتها. لقد اكتسب التاريخ معناه عمقاً وشمولية في الإسلام، وظهرت فكرة التاريخ متكاملة أسهمت في إرسائها ثلاثة عناصر معرفية (الأنساب والأيام والسيرة) في إطار من الوعي بالزمن بمعناه الخاص (زمن التجربة التاريخية للأمة العربية) وبمعناه العام الإنساني.
اكتسب هذا الفهم عمقه وتكامله معاً عندما بدأ الفكر التاريخي يتجه من التسجيل إلى التعليل ليبرز واضحاً الفهم الواقعي للتاريخ في إطار من الوعي بالقوة المطلقة (الله) وبقدرة الإنسان (خليفته في الأرض) على الابتكار والإبداع. وعبرّ عن هذا الفهم بنظرية (العلة في التاريخ) أو ما يعرف بـ (السببية). غير أن هذا المتحقق لم يعطي التاريخ استقلاليته صنفاً من صنوف المعرفة، أو علماً قائماً بذاته إلا عندما ظهر علم دراسة التاريخ (تاريخ التاريخ).
نسعى دائماً كلما استجدت كشوف أثرية جديدة، أو تطورت مناهج البحث العلمي، أو ابتكر الإنسان تقانة جديدة؛ إلى إعادة البحث في هذا الموضوع، طالما أننا لسنا أول الباحثين فيه، فالذين بدؤوه قبلنا كثيرون إلى حد يصعب إحصاؤهم، ولكي تكون بحوثنا منصفة، نشير إلى أن علم تاريخ التاريخ بدأ يسجل تطوره في وقت مبكر، وفي البداية كان جزءاً من تاريخ الثقافة، ظهر مع جهود ابن النديم (القرن الرابع الهجري) واستمر يتطور ولكنه في القرن التاسع الهجري استقل على يد الكتاب الذين كتبوا في علم تاريخ التاريخ بعد أن تكامل الجهد الرائع لابن خلدون (ت 808 هـ) مع جهود اللاحقين ليستقل التاريخ علماً قائماً بذاته ويدخل في النظام التعليمي وتظهر فلسفة التاريخ أيضاً في وقت لاحق، ويحتل التاريخ دوره في تقرير هوية الأمم وتشكيل عقائدها. بل أصبح الإحساس بقدرته الدافعة على النهضة كبيراً جداً. إذن التاريخ يعمل ويغير في حياة الشعوب والأمم، والمؤرخ الجيد ليس الذي يجيد كتابة التاريخ أو قراءته فقط، بل هو أيضاً الذي يجيد معرفة كيف يعمل التاريخ، أي يمتلك ذهنية تاريخية.
يتحدد موقع هذا الكتاب في النشاط الفكري التاريخي ضمن حدود رؤية شخصية مبنية على قراءة دقيقة وشاملة للنتاج التاريخي للمؤرخ العربي تحديداً. من دون أن يغفل الحوار مع المساهمات الأخرى لأساتذة وزملاء أفاضل. هو لا يزيحها إنما يحجز موقعه معها محاوراً مغنياً مضيفاً تجربة شخصية في التعامل مع التاريخ بخبرة مستقلة.
1. في المصطلح (فلسفة التاريخ)
ما الذي نفهمه من مصطلح (فلسفة التاريخ) وما الذي نسعى إليه من وراء دراستنا له؟
2. نشأة الكتابة التاريخية
كيف بدأ التاريخ
نشأة الكتابة التاريخية
3. الإسلام والتاريخ
المستوى النظري: فكرة التاريخ
المستوى اللغوي: المصطلح التاريخي في القرآن
المستوى العلمي: رؤية القرآن للتاريخ العربي
4. التدوين التاريخي
بدء التدوين
السيرة
الأنساب
الروايات
5. تطور الكتابة التاريخية
جمع المادة التاريخية
تنظيم المادة التاريخية
6. محتوى الكتابة التاريخية
التاريخ العالمي
التاريخ الاقتصادي
التاريخ الاجتماعي
التاريخ العسكري
7. مفهوم التاريخ
مفهوم التاريخ عند المشتغلين بالتاريخ في القرن الأول الهجري
تطور مفهوم التاريخ
8. موقع التاريخ في العصر
التوظيف الاجتماعي للتاريخ
الاتجاهات السياسية والتاريخ
موقع التاريخ بين العلوم
9. النقد التاريخي
نشأة النقد التاريخي
نقد الخبر
10.الكتابة التاريخية في العصور الحديثة
11. اين يتجه البحث في فلسفة التاريخ
12. التاريخ والمشروع الحضاري العربي
طبيعة الأزمة القومية
العمل الثوري
موقع التاريخ في العمل الفكري
مفهوم التقدم التاريخي
المراجع
المملكة الأردنية الهاشمية
عمان - العبدلي - شارع الملك حسين - عمارة رقم 185
هاتف: +962(6) 5627049 فاكس: +962(6) 5627059
ص.ب 7218 عمان 1118 الأردن
جميع الحقوق محفوظة لدار المسيرة للنشر والتوزيع © 2024