الإنسان يملك قدرة بيان ما يعتمل في صدره وما يفكر فيه وما يريد أن يوصله للآخرين، وما يشعر به مما يتبدى في " اللغات " التي هى " البنية الأساسية " لكل مظاهر الحضارة التي توصل إليها الإنسان عبر عصور التاريخ المختلفة .

والإنسان هو الكائن " المكلف " من قبل الخالق عز وجل بجملة من المسئوليات والواجبات، سوف يحاسبه على مدى قيامه بواجبات التكليف ومسئولياته في الآخرة، حيث أمد الله مخلوقه الإنسان " بعقل " يدرك ويفهم ويعى ويتعلم، و " إرادة اختيار " بين الحق والباطل، بين الخير والشر، وكل من " العقل " و " إرادة الاختيار " لا نجد لهما مثيلا لدى المخلوقات الأخرى .

وإذا كان المولى قد وهبه قدرة فهم ووعى وإدراك وتعلم، فهذا يعنى توافر " رأس مال "، أو " مادة خام " بحاجة إلى " تشغيل " وبحاجة إلى " استثمار "، ولن يتسنى ذلك إلا بقدر ما يحصل الإنسان من معلومات، وبقدر ما يكتسب من قيم واتجاهات، وبقدر ما يتعلم من مهارات ..

عندها، يمكن أن يحسن إرادة الاختيار، فيهتدي إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم ولا الضالين ..

من هنا لا نبالغ في كثير أو قليل أن مربط الفرس، والركيزة الأساسية لهذا كله، هو العلم والمعرفة والتعلم والتعليم والتربية .

ومن هنا أيضا كان على الإنسان على وجه العموم، ومن يتولون تعليم غيرهم على وجه الخصوص أن يعكفوا على أصول العملية التربوية، من حيث المفاهيم الأساسية، والركائز الرئيسة، والأسس العامة، وقنواتها التي من خلالها تفعل وتعمل، والمخزون الرئيسى الذي تستمد منه موجهاتها، ألا وهو الثقافة، والعطاء الفكرى الذي قدمه مفكرو التربية عبر الحضارات الكبرى، وخبرة هذه الحضارات في الجهد التربوي .

من أجل هذا جاء هذا الكتاب بموضوعاته التي حاول من خلالها تناول هذه القضايا المتعددة،